لم يكن أمام المعلمة منال، من سبيل سوى ركوب عربة يجرها حمار كي تنقلها من منزلها في دير البلح وسط قطاع غزة، إلى مدرستها في خانيونس جنوب القطاع.
فبعد انتظار دام أكثر من ساعتين، في الدوار الرئيسي في دير البلح على أمل وصول سيارة أجرة تنقلها لعملها، قررت منال أمس، ركوب عربة الكارو ليس بالمجان، بل بأجرة تقدر بضعف ما كانت تدفعه في السابق للسيارة.
هذا كان في الذهاب، فماذا كان قدرها في العودة؟ من المدرسة لمنزلها، هنا قالت منال: إنها اضطرت للمشي نصف الطريق، وتحديداً حتى بلدة القرارة التي تقع بين دير البلح وخانيونس، وعندها عزمت على ألا تواصل طريقها عائدة للمنزل على قدميها من شدة التعب، بل عليها زيارة صديقتها فاطمة في البلدة، ليس من باب الوصال، بل للمبيت عندها والعودة صباحاً لمدرستها، وهو ما حدث بالفعل صباح اليوم.
منال ليست وحيدة في هذه المعاناة، بل واحدة من مئات المعلمين والمعلمات في المدارس والمحاضرين في الجامعات، الذين تفاقمت معاناتهم في القطاع، بعد أن أوقفت سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، وبتاريخ 09-04-2008، تدفق إمدادات الوقود والمحروقات المقلصة أصلاً إلى القطاع، ما فاقم من تردي الأوضاع الإنسانية في مدن وقرى ومخيمات القطاع، والمتدهورة أصلاً، جراء استمرار فرض العقاب الجماعي على سكان القطاع المدنيين منذ 15-06-2007.
هذا هو حال منال، فما هو قرار محمد عبد الله الطالب في جامعة الأزهر في غزة، والذي يسكن في بلدة بني سهيلا شرق محافظة خانيونس جنوب القطاع، إنه قرر الذهاب لجامعته، على دراجته الهوائية، وإن كان ذلك سيرهقه من طول المسافة، وسيؤثر على تحصيله الدراسي، لكن ما من سبيل أمامه سوى هذه الدراجة للوصول إلى جامعته.
محمد سعى لإيجاد رفيق له في سفره على دراجته، وأخذ يشجيع رفاقه على المبادرة مثله واستعمال الدراجة بدل السيارة في الوصول للجامعة، غير أنه لم يفلح في إقناع سوى ثلاثة منهم بفكرته.
وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقرير له: إن منع تدفق الوقود للقطاع، أسفر عن توقف نحو 50% من خدمات التعليم، حيث سجل عجز نحو 50% من طلبة وطالبات المدارس والمعاهد والجامعات، والعاملين فيها عن الوصول إلى مرافقهم التعليمية.
ووفق التقرير، فقد تراوحت نسبة الغياب في المدارس والجامعات في القطاع بين 20-50% في كافة المرافق التعليمية منذ يوم السبت الماضي وحتى صباح أمس الإثنين، خاصة في مدينة غزة التي تضم أكبر عدد من الجامعات والمؤسسات التعليمية، وأنه في مدينة غزة تغيب نحو 30- 55% من طلبة جامعات: الإسلامية، والأقصى، والأزهر وجامعة القدس المفتوحة في المدينة.
وأفادت مصادر في الجامعة الإسلامية بغزة، بأن نحو 60% من طلبتها، البالغ عددهم 19000 طالبة وطالبة قد تغيبوا أول أمس الأحد عن مقاعدهم الدراسية لعدم تمكنهم من الوصول إلى الجامعة، فيما تغيب نحو 600 من العاملين فيها من الأكاديميين والموظفين الإداريين، بينما ذكرت مصادر في جامعة الأزهر عن ارتفاع نسبة تغيب طلبتها، والبالغ عددهم نحو 19000 طالبة وطالب، من 30% يوم السبت الماضي، 40% يوم الأحد الماضي إلى 55% صباح أمس الاثنين، واضطرت جامعة الأقصى بغزة إلى الإعلان عن تعليق الدراسة فيها ابتداءً من أمس، بسبب تغيب نحو 50% من طلبتها والعاملين فيها إلى يوم الخميس القادم.
يذكر أن نحو 14000 طالبة وطالب يدرسون في الجامعة وبات غالبيتهم غير قادرين على الوصول إلى جامعتهم، حيث أن معظمهم يقطنون في المحافظات الوسطى والجنوبية للقطاع.
وفي مدينة خان يونس، سجل تغيب نحو 3000 طالب وطالبة من أصل 6000 طالب وطالبة في جامعة الأقصى، فرع خان يونس، فيما تغيب 10% من موظفيها نظراً لعدم تمكنهم من الوصول للجامعة بسبب توقف المواصلات، فيما تغيب نحو 1000 طالب وطالبة من طلبة الجامعة الإسلامية في فرعها بالمنطقة الجنوبية، وتغيب أكثر من 30% من طلبة جامعة القدس المفتوحة في خان يونس للأسباب ذاتها.
ومن ناحية أخرى شهدت مدارس القطاع، بما فيها المدارس الحكومية ومدارس 'الأونروا' والمدارس الخاصة، تغيب الآلاف من طلبتها وهيئاتها التعليمية بسبب شلل قطاع النقل والمواصلات، فعلى سبيل المثال بلغت نسبة الغياب في مدارس قطاع غزة معدلات تراوحت 10- 30% من إجمالي عدد طلبتها البالغ نحو 448000 طالبة وطالب يدرسون في كافة المراحل الدراسية.
وسجل تغيب نحو 10500 طالب وطالبة، أي بنسبة 30%، من طلبة مدارس 'الأنروا' في المنطقة الشرقية بمحافظة خان يونس، فيما عطلت إحدى المدارس الحكومية في مدينة القرارة كلياً بسبب تغيب عدد من المدرسات والطلبة، وعدم مقدرتهم على الوصول إلى المدرسة، بينما أعلنت مدرسة 'دار الأرقم' الخاصة في مدينة غزة صباح أمس عن تعطيل الدراسة فيها لثلاثة أيام، بسبب نفاذ الوقود اللازم لتشغيل مركباتها التي تقل الطلبة من مكان سكناهم إلى المدرسة.
من جانبه، بين مركز الميزان لحقوق الإنسان في بيان له، أن الشلل التدريجي يصيب قطاع التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، سواء الحكومي أو التابع لوكالة الغوث الدولية (UNRWA)، بعد أن تعذر وصول مئات المدرسين إلى مدارسهم، خاصة أولئك الذين يسكنون في مناطق بعيدة عن مكان عملهم، وأن تغيب الطلاب عن المدارس أصبح واضحاً بسبب عدم توفر وسائل النقل الداخلي.
أما التعليم الجامعي فهو شبه متوقف ولاسيما بعد أن تعذر على عدد كبير من الأساتذة والطلبة والطالبات الوصول إلى جامعاتهم.