تعيش قرية نوبا، في جبل الخليل، أسطورتها الخاصة، بإعتبارها تملك أقدم نقش إسلامي مكتشف حتى الآن، يعتقد أنه يعود إلى صدر الإسلام.
ويوجد النقش، في المسجد العمري وسط البلدة، وهو مبنى حديث أقيم بدلاً من المسجد القديم المنسوب للخليفة الإسلامي الثاني عمر بن الخطاب، الذي تسلم مدينة القدس من البيزنطيين، عام 636م.
ويعتبر النقش، مثار فخر الأهالي، ومن بينهم أبو صابر دبابسة (80) عامًا.
واضاف دبابسة: "يتردد انه في أثناء مرور سيدنا عمر بن الخطاب، في طريقه إلى القدس، فاتحًا، كان يبني المساجد في القرى التي يمر بها، ومن بينها قريتنا هذه، وخير شاهد على ذلك هذا النقش، الذي يتحدث عن وقف القرية على المسجد الأقصى".
والنص المكتوب على النقش قديم، ولكن تم تجديده بجعله اكثر سوادًا لتسهيل قراءته، على الرغم من أنها ما زالت صعبة على غير المتخصصين. وحسب اكثر القراءات اعتمادًا للنقش المحفور على حجر رملي فإنه ينص على:
"بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الضيعة نوبا بحدودها
وأطرافها وقف على صخره بيت
المقدس والمسجد الأقصى أوقفه
أمير المؤمنين عمر إبن الخطاب
لوجه الله تعالا".
ويلاحظ بأن كلمتي ابن وتعالا، نقشتا بغير الطريقة المألوفة الآن في الكتابة العربية، ولكن بالنسبة إلى المتحمسين للنقش، فإن هذا لا يغير من أهميته شيئًا، بل يؤكد على قدمه.
وحسب أبو صابر، فإن الاثاريين الإسرائيليين اهتموا، بهذا النقش، بعد احتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في حزيران (يونيو) 1967، ويقول بأن عددًا منهم زاروا المسجد لتفحص النقش، ولكن لا يعرف ما توصلوا إليه بشأنه.
وتشير مصادر أخرى في القرية، إلى أن الاهتمام بالنقش اقدم من الاهتمام الإسرائيلي بكثير، ويذكر ابن القرية الباحث نسيم أبو عمود، الذي وضع كتابًا عن تاريخ نوبا واثاره، "حضر رجل بريطاني، لم يعرف اسمه، إلى القرية بسيارته الخاصة في عام 1947م، ودخل المسجد العمري بحذائه، ثم توجه إلى المحراب واخرج من حقيبته أوراقًا بيضاء ووضعها على الحجر ونقل الحروف والكلمات الموجودة عليه, وبعد أن انتهى هم بالخروج فوقع وكسر قدمه، فوضع الأوراق المذكورة عند المرحوم محمود علي الطرمان وخرج من القرية ولم يعد مرة ثانية، أما الأوراق فبقيت مدة طويلة بانتظار مودعها حتى بليت، هذه كانت المحاولة الأولى لتفسير النقش".
وآنذاك اعتبر أهالي القرية، دخول البريطاني إلى المسجد بحذائه، وهو على الأرجح عالم آثار، أو من سلطة الآثار الفلسطينية التي أسسها البريطانيون إبان انتدابهم على فلسطين، عقابًا من الله، خصوصًا وانه لم يستجب لهم عندما نهروه.
ولم يقدر لعالم الآثار البريطاني قراءة النقش، ولو فعل ذلك، ونسبه إلى صدر الإسلام، لأصبح شهيرًا، وأيضًا لحظي النقش باهتمام عالمي، وبقي الأمر كذلك حتى عام 1990، كما يقول الباحث أبو عمود عندما "قرر أهالي القرية ترميم المسجد، فاستدعي الدكتور يونس عمرو، والباحثة نجاح أبو سارة من جامعة الخليل لتحليل النقش، ووضعت الباحثة أبو سارة التحليل الكامل للنقش في الباب الأول لرسالة الماجستير التي قدمتها للجامعة الأردنية وناقشها الدكتور عبد العزيز الدوري مع آخرين والذي ذهل كما قالت الباحثة لاكتشاف هذا النقش، حيث أخبرها أن المؤرخين لديهم معلومات عن أوقاف أوقفها عمر بن الخطاب في العالم الإسلامي، ولكن أي منها لم يكتشف حتى الان وأن نقش نوبا هو أولها".
أما تحليل النقش كما قدمته أبو سارة "حفر النقش في حجر رملي ذو لون بني فاتح وسطح الحجر خشن الملمس، أما أبعاد الحجر فهي 77سم الطول, و49 سم العرض. والنقش حروفه غائرة أي محفورة في اللوحة وليست بارزة، ويقع في 6 أسطر أفقية غير منتظمة لا يوجد بينها فواصل من خطوط كما أن أسلوب الحفر ليس دقيقًا من حيث مظهر الكلمات والحروف، وطريقة كتابة الحروف والحروف نفسها تدل على فترة زمنية متقدمة من التاريخ الإسلامي ولربما يرجع إلى فترة خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه الذي ورد ذكره في النص كما أن السطر الأخير استغرق وقتًا أطول حتى تمكن من تحليله ومعرفته بسبب الإهمال الذي لحق باللوحة والخط الذي كتبت به اللوحة هو الخط الكوفي البسيط".
وقارنت أبو سارة هذا النقش مع نقشين مؤرخين عثر عليهما ويعودان إلى صدر الإسلام وهما: نقش حلحول المؤرخ سنة 55هـ الموافق 674م، الذي عثر عليه في مقام عبد الله بن مسعود في بلدة حلحول، شمال الخليل، والنقش موجود الان في متحف المسجد الأقصى بالقدس، ونقش سد معاوية بن أبي سفيان المؤرخ 58هـ الموافق 677م، الذي عثر عليه في مدينة الطائف السعودية.
وبعد مقارنة نقش نوبا مع النقشين الآخرين توصلت أبو سارة إلى أن "نقش نوبا يمثل نمطًا متقدمًا للكتابة بالخط الكوفي البسيط قبل أن تتطور الكتابة بالخط الكوفي اللين الذي ازدهر في أواخر عهد الراشدين وبالذات في عهد الخليفة علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه". وقدرت أبو سارة أن النقش يعود إلى قبل فترة خلافة علي بن أبي طالب، أي قبل عام 660م، وبناء على ذلك يقول الباحث أبو عامود فإن نقش نوبا يمكن أن يكون من "اقدم النقوش الحجرية العربية في فلسطين بل العالم الإسلامي أجمع".